فصل: أوّلاً: الرّؤية بالعين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


رؤية الهلال

التّعريف

1 - الرّؤية‏:‏ النّظر بالعين والقلب، وهي مصدر رأى، والرّؤية بالعين تتعدّى إلى مفعولٍ واحدٍ، وبمعنى العلم تتعدّى إلى مفعولين‏.‏

وحقيقة الرّؤية إذا أضيفت إلى الأعيان كانت بالبصر،كقوله عليه الصلاة والسلام »‏:‏صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته «، وقد يراد بها العلم مجازاً‏.‏

وتراءى القوم‏:‏ رأى بعضهم بعضاً، وتراءينا الهلال‏:‏ نظرنا‏.‏

وللهلال عدّة معانٍ منها‏:‏ القمر في أوّل استقباله الشّمس كلّ شهرٍ قمريٍّ في اللّيلة الأولى والثّانية، قيل‏:‏ والثّالثة، ويطلق أيضاً على القمر ليلة ستٍّ وعشرين وسبعٍ وعشرين لأنّه في قدر الهلال في أوّل الشّهر‏.‏ وقيل يسمّى هلالاً إلى أن يبهر ضوؤه سواد اللّيل، وهذا لا يكون إلاّ في اللّيلة السّابعة‏.‏ والمقصود برؤية الهلال‏:‏ مشاهدته بالعين بعد غروب شمس اليوم التّاسع والعشرين من الشّهر السّابق ممّن يعتمد خبره وتقبل شهادته فيثبت دخول الشّهر برؤيته‏.‏

الحكم التّكليفيّ

طلب رؤية الهلال

2 - رؤية الهلال أمر يقتضيه ارتباط توقيت بعض العبادات بها، فيشرع للمسلمين أن يجدّوا في طلبها ويتأكّد ذلك في ليلة الثّلاثين من شعبان لمعرفة دخول رمضان، وليلة الثّلاثين من رمضان لمعرفة نهايته ودخول شوّالٍ، وليلة الثّلاثين من ذي القعدة لمعرفة ابتداء ذي الحجّة‏.‏

فهذه الأشهر الثّلاثة يتعلّق بها ركنان من أركان الإسلام هما الصّيام والحجّ، ولتحديد عيد الفطر وعيد الأضحى‏.‏

وقد حثّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم على طلب الرّؤية، فعن أبي هريرة قال‏:‏ قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ » صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غمّي عليكم فأكملوا عدّة شعبان ثلاثين «‏.‏

وعن عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » الشّهر تسع وعشرون ليلةً، فلا تصوموا حتّى تروه فإن غمّ عليكم فأكملوا العدّة ثلاثين «‏.‏

أوجب الحديث الأوّل صيام شهر رمضان برؤية هلاله أو بإكمال شعبان ثلاثين، وأمر بالإفطار لرؤية هلال شوّالٍ، أو بإتمام رمضان ثلاثين‏.‏

ونهىالحديث الثّاني عن صوم رمضان قبل رؤية هلاله أوقبل إتمام شعبان في حالة الصّحو‏.‏ وورد عنه صلى الله عليه وسلم حديث فيه أمر بالاعتناء بهلال شعبان لأجل رمضان قال‏:‏ » أحصوا هلال شعبان لرمضان « وحديث يبيّن اعتناءه بشهر شعبان لضبط دخول رمضان، عن عائشة » كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يتحفّظ من شعبان ما لا يتحفّظ من غيره، ثمّ يصوم لرؤية رمضان فإن غمّ عليه عدّ ثلاثين يوماً ثمّ صام « قال الشّرّاح‏:‏ أي يتكلّف في عدّ أيّام شعبان للمحافظة على صوم رمضان‏.‏

وقد اهتمّ الصّحابة رضي الله عنهم في حياة النّبيّ صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم برؤية هلال رمضان فكانوا يتراءونه‏.‏

عن عبد اللّه بن عمر، قال‏:‏ » تراءى النّاس الهلال فأخبرت به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فصام وأمر النّاس بصيامه «‏.‏

وعن أنس بن مالكٍ قال‏:‏ كنّا مع عمر بين مكّة والمدينة، فتراءينا الهلال، وكنت رجلاً حديد البصر فرأيته، وليس أحد يزعم أنّه رآه غيري‏.‏ قال‏:‏ فجعلت أقول لعمر‏:‏ أما تراه ‏؟‏ فجعل لا يراه‏.‏ قال‏:‏ يقول عمر‏:‏ سأراه وأنا مستلقٍ على فراشي‏.‏

وقد أوجب الحنفيّة كفاية التماس رؤية هلال رمضان ليلة الثّلاثين من شعبان فإن رأوه صاموا، وإلاّ أكملوا العدّة ثمّ صاموا، لأنّ ما لا يحصل الواجب إلاّ به فهو واجب‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ يستحبّ ترائي الهلال احتياطاً للصّوم وحذاراً من الاختلاف‏.‏ ولم نجد للمالكيّة والشّافعيّة تصريحاً بهذه المسألة‏.‏

طرق إثبات الهلال

أوّلاً‏:‏ الرّؤية بالعين

أ - الرّؤية من الجمّ الغفير الّذين تحصل بهم الاستفاضة‏:‏

3 - هي رؤية الجمّ الغفير الّذين لا يجوز تواطؤهم على الكذب عادةً، ولا يشترط في صفتهم ما يشترط في صفة الشّاهد من الحرّيّة والبلوغ والعدالة‏.‏

وهذا أحد تفسيري الاستفاضة، وقد ارتقت به إلى التّواتر، أمّا التّفسير الثّاني للاستفاضة فقد حدّدت بما زاد على ثلاثة أشخاصٍ‏.‏ والتّفسيران يلتقيان في أنّ هذه الرّؤية تكون في حالة الصّحو، وأنّه يثبت بها دخول رمضان‏.‏

وقد قال بهذا النّوع في الحالة المذكورة الحنفيّة لإثبات رمضان وشوّالٍ‏.‏

وقال به أيضاً المالكيّة لكنّهم سكتوا عن اشتراط الصّحو،ولم يتعرّض له الشّافعيّة والحنابلة‏.‏

ب - رؤية عدلين‏:‏

4 - نقل القول باشتراط رؤية عدلين عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه وابن شهابٍ الزّهريّ، وقال بهذا الرّأي المالكيّة في حالة الغيم والصّحو في المصر الصّغير والكبير فيثبت برؤية العدلين الصّوم والفطر وشهر ذي الحجّة، واشترطوا في العدل الإسلام والحرّيّة والذّكورة وما تقتضيه العدالة من العقل والبلوغ والالتزام بالإسلام‏.‏

واعتبر سحنون شهادة اثنين فقط في الصّحو، وفي المصر الكبير ريبةً، ولم ينقل عنه تعيين العدد في هذه الحالة، والظّاهر أنّه لا يقبل في مثلها غير الرّؤية المستفيضة وأقلّها ثلاثة‏.‏ قال‏:‏ ولا تقبل شهادة الشّاهدين إذا لم يشهد غيرهما في المصر الكبير والصّحو، وأيّة ريبةٍ أكبر من هذه‏.‏

ونقل القول باشتراط عدلين في الشّهادة الّتي يثبت بها هلال رمضان عن البويطيّ تلميذ الشّافعيّ‏.‏

ج - رؤية عدلٍ واحدٍ‏:‏

5 - للفقهاء تفصيلات وشروط في قبول رؤية العدل الواحد على النّحو التّالي‏:‏

قبل الحنفيّة في رؤية هلال رمضان شهادة العدل الواحد في الغيم أو الغبار وانعدام صحو السّماء، واكتفوا في وصف العدالة بترجيح الحسنات على السّيّئات، وقبلوا شهادة مستور الحال، ولم يشترطوا الذّكورة والحرّيّة، واعتبروا الإعلام بالرّؤية من قبيل الإخبار‏.‏

وتتمّ الشّهادة عندهم في المصر أمام القاضي، وفي القرية في المسجد بين النّاس، ومن رأى الهلال وحده ولم يقبل القاضي شهادته صام،فلو أفطر وجب عليه القضاء دون الكفّارة‏.‏ واستدلّ الحنفيّة على قبول شهادة العدل الواحد بما رواه ابن عبّاسٍ قال‏:‏ » جاء أعرابيّ إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ أبصرت الهلال اللّيلة، قال‏:‏ أتشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّداً عبده ورسوله ‏؟‏ قال‏:‏ نعم، قال‏:‏ يا بلال أذّن في النّاس فليصوموا غداً «‏.‏ وتقدّم في ترائي الهلال حديث عبد اللّه بن عمر، وفيه‏:‏ » أنّه أخبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم برؤية الهلال فصام، وأمر النّاس بالصّيام «‏.‏

وبأنّ الأخبار برؤية الهلال من الرّواية وليس بشهادةٍ، لأنّه يلزم المخبر بالصّوم، ومضمون الشّهادة لا يلزم الشّاهد بشيءٍ، والعدد ليس بشرطٍ في الرّواية فأمكن قبول خبر الواحد في رؤية الهلال بالشّروط الواجب توفّرها في الرّاوي لخبرٍ دينيٍّ، وهي‏:‏ الإسلام والعقل والبلوغ والعدالة‏.‏

ولم يعتبر المالكيّة رؤية العدل الواحد في إثبات الهلال، ولم يوجبوا الصّوم بمقتضاها على الجماعة، وألزموا من رأى الهلال وحده بإعلام الإمام برؤيته لاحتمال أن يكون غيره رأى أو علم فتجوز شهادتهما، وأوجبوا على الرّائي المنفرد الصّيام، ولو ردّ الإمام شهادته فإن أفطر فعليه القضاء والكفّارة‏.‏

واستدلّوا بما ورد عن عبد الرّحمن بن زيد بن الخطّاب أنّه خطب النّاس في اليوم الّذي يشكّ فيه، فقال‏:‏ إنّي جالست أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وسألتهم وأنّهم كلّهم حدّثوني أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غمّ عليكم فأكملوا ثلاثين فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا «‏.‏

والمشهور عندهم قبول هذا النّوع من الرّؤية إذا لم يكن في البلد من يعتني بأمر الهلال‏.‏ وقبل بعضهم رؤية الرّجل الواحد والعبد والمرأة إذا أريد من الشّهر معرفة علم التّاريخ بشرط أن لا يتعلّق به حلول دينٍ أو إكمال عدّةٍ، فإذا كان كذلك فلا بدّ من شاهدين‏.‏ والصّحيح عند الشّافعيّة قبول رؤية العدل الواحد في هلال رمضان وإلزام الجميع الصّيام بمقتضاها احتياطاً للفرض، ولم يقبلوها من العبد والمرأة، لأنّ الإخبار بالرّؤية عندهم من قبيل الشّهادة، واستدلّوا بقبول النّبيّ صلى الله عليه وسلم إخبار ابن عمر وحده بهلال رمضان، وقبوله أيضاً إخبار أعرابيٍّ بذلك، وأوجبوا على الرّائي الصّوم ولو لم يكن عدلاً‏.‏ وقبل الحنابلة في هلال رمضان رؤية العدل الواحد، ولم يشترطوا الذّكورة والحرّيّة ورفضوا شهادة مستور الحال في الصّحو والغيم، ومستندهم قبول النّبيّ صلى الله عليه وسلم خبر الأعرابيّ‏.‏ ولم يقبلوا في بقيّة الشّهور إلاّ رجلين عدلين على ما سيأتي‏.‏

رؤية هلال شوّالٍ وبقيّة الشّهور

6 - اتّفق جمهور الفقهاء على اشتراط رؤية عدلين في هلال شوّالٍ، واختلفوا في بعض التّفصيلات‏.‏

فاشترط الحنفيّة لإثبات هلال شوّالٍ في حالة الصّحو أن يكون الشّهود جماعةً يحصل العلم للقاضي بخبرهم كما في هلال رمضان، ولم يقبلوا في حال الغيم إلاّ شهادة رجلين، أو رجلٍ وامرأتين مسلمين حرّين عاقلين بالغين غير محدودين في قذفٍ، وإن تابا كما في الشّهادة في الحقوق والأموال، لأنّ الإخبار بهلال شوّالٍ من باب الشّهادة‏.‏ وفيه نفع للمخبر، وهو إسقاط الصّوم عنه فكان متّهماً فاشترط فيه العدد نفياً للتّهمة بخلاف هلال رمضان فإنّه لا تهمة فيه‏.‏

واشترط المالكيّة في هلال شوّالٍ الرّؤية المستفيضة أو شهادة عدلين ممّن يشهدون في الحقوق العامّة‏.‏ ونصّوا على أنّ من رأى هلال شوّالٍ وحده لا يفطر، خوفاً من التّهمة وسدّاً للذّريعة، وإن أفطر فليس عليه شيء فيما بينه وبين اللّه تعالى، فإن عثر عليه عوقب إن اتّهم‏.‏

واشترط الشّافعيّة والحنابلة في ثبوت هلال شوّالٍ شهادة رجلين حرّين عدلين احتياطاً للفرض، وأباح الشّافعيّة الفطر سرّاً لمن رأى الهلال وحده، لأنّه إن أظهره عرّض نفسه للتّهمة والعقوبة، ومنع الحنابلة الفطر لمن رأى الهلال وحده‏.‏

وقال ابن عقيلٍ‏:‏ يجب عليه الفطر سرّاً لأنّه تيقّنه يوم عيدٍ وهو منهيّ عن صومه‏.‏

ولم يفرّق الحنفيّة في حالة الصّحو بين أهلّة رمضان وشوّالٍ وذي الحجّة واشترطوا في الثّلاثة رؤية جمعٍ يثبت به العلم، وفرّقوا بينها في حالة الغيم فاكتفوا في ثبوت هلال ذي الحجّة بشهادة عدلٍ واحدٍ‏.‏

واشترط الكرخيّ منهم شهادة رجلين أو رجلٍ وامرأتين كما في هلال شوّالٍ لأنّ هذه الشّهادة يتعلّق بها حكم وجوب الأضحيّة فيجب فيها العدد‏.‏

ورد عليه الكاسانيّ بأنّ الإخبار عن هلال ذي الحجّة من باب الرّواية لا الشّهادة لوجوب الأضحيّة على الشّاهد وغيره، فلا يشترط العدد‏.‏

وأوجب المالكيّة شهادة عدلين، فقال مالك في الموسم بأنّه يقام بشهادة رجلين إذا كانا عدلين‏.‏

وسوّى الحنابلة بين شوّالٍ وغيره من الشّهور فاشترطوا رؤية رجلين عدلين لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا «‏.‏

رؤية الهلال نهاراً

7 - وردت عن صحابة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نقول مختلفة في حكم رؤية هلال رمضان نهاراً، وهل هو للّيلة الماضية أو المقبلة ‏؟‏

فعن عليٍّ وعائشة، ورواية عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنهم التّفريق بين الرّؤية قبل الزّوال وبعده‏.‏ فإن كانت قبل الزّوال فالهلال للّيلة الماضية، وإن كانت بعد الزّوال، فهو للّيلة المقبلة، وذهب أبو يوسف صاحب أبي حنيفة إلى هذا الرّأي وعلّله بأنّ الهلال لا يرى قبل الزّوال عادةً إلاّ أن يكون لليلتين،وهذا يوجب كون اليوم من رمضان في هلال رمضان، وكونه يوم الفطر في هلال شوّالٍ‏.‏

وفي روايةٍ أخرى عن عمر بن الخطّاب، وفي نقلٍ عن ابنه عبد اللّه، وعن عبد اللّه بن مسعودٍ وأنس بن مالكٍ أنّ رؤية الهلال يوم الشّكّ هي للّيلة المقبلة سواء كانت قبل الزّوال أم بعده‏.‏

وقال عمر‏:‏ إنّ الأهلّة بعضها أكبر من بعضٍ فإذا رأيتم الهلال نهاراً فلا تفطروا حتّى تمسوا إلاّ أن يشهد رجلان مسلمان أنّهما أهلاّه بالأمس عشيّةً‏.‏

وعن سالم بن عبد اللّه بن عمر‏:‏ أنّ ناساً رأوا هلال الفطر نهاراً، فأتمّ عبد اللّه بن عمر صيامه إلى اللّيل، وقال‏:‏ لا، حتّى يرى من حيث يرى باللّيل‏.‏

وعن ابن مسعودٍ‏:‏‏.‏‏.‏‏.‏ إنّما مجراه في السّماء، ولعلّه أبين ساعتئذٍ، وإنّما الفطر من الغد في يوم يرى الهلال‏.‏

ونسب هذا الرّأي إلى عثمان بن عفّان وعليّ بن أبي طالبٍ ومروان بن الحكم وعطاء بن أبي رباحٍ‏.‏

وإذا ثبت هذا النّقل عن عليّ بن أبي طالبٍ فيكون روايةً ثانيةً عنه تخالف ما نقل عنه من التّفريق بين الرّؤية قبل الزّوال وبعده‏.‏

وقد رفض أبو حنيفة ومحمّد بن الحسن التّفريق في هلال رمضان وشوّالٍ، لأنّ الأصل عندهما أن لا يعتبر في رؤية الهلال قبل الزّوال ولا بعده، وإنّما العبرة لرؤيته بعد غروب الشّمس‏.‏

وعن مالك بن أنسٍ‏:‏ من رأى هلال شوّالٍ نهاراً فلا يفطر، ويتمّ صيام يومه ذلك، فإنّما هو هلال اللّيلة الّتي تأتي‏.‏

وهو في هذا النّقل عنه لم يفرّق بين الرّؤية قبل الزّوال وبعده، واعتبر الهلال الّذي رئي نهاراً للّيلة القادمة، وذهب ابن حبيبٍ إلى التّفريق، ونسبه إلى مالكٍ، قال‏:‏ فإن رئي الهلال قبل الزّوال فهو للّيلة الماضية فيمسكون إن وقع ذلك في شعبان ويفطرون إن وقع في رمضان ويصلّون العيد، وإذا رئي بعد الزّوال فهو للقادمة سواء أصلّيت الظّهر أم لم تصلّ‏.‏ وقال الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ إن رئي الهلال بالنّهار فهو للّيلة المستقبلة لما روى سفيان بن سلمة قال‏:‏ أتانا كتاب عمر بن الخطّاب رضي الله عنه ونحن بخانقين‏:‏ إنّ الأهلّة بعضها أكبر من بعضٍ فإذا رأيتم الهلال نهاراً فلا تفطروا حتّى يشهد رجلان مسلمان أنّهما رأياه بالأمس‏.‏

ونبّه الفقهاء إلى أنّ الهلال لا يرى يوم تسعةٍ وعشرين قبل الزّوال، لأنّه أهّل ساعتئذٍ، ولأنّ الشّهر لا يكون ثمانيةً وعشرين فتحدّد مجال رؤيته في اليوم التّاسع والعشرين بعد الزّوال أو في يوم ثلاثين قبل الزّوال وبعده، فإذا رئي يوم تسعةٍ وعشرين بعد الزّوال ولم ير ليلاً، فالظّاهر عند المالكيّة أنّه يثبت بالرّؤية النّهاريّة، وعارض ذلك الشّافعيّة فقالوا‏:‏ لا يكفي ذلك عن رؤيته ليلة الثّلاثين، وأنّه لا أثر لرؤيته نهاراً‏.‏

وأمّا رؤيته نهاراً يوم ثلاثين فلا يبحث معها عن رؤيته ليلاً لإكمال العدّة‏.‏

ثانياً‏:‏ إكمال الشّهر ثلاثين

8 - يكون الشّهر القمريّ تسعةً وعشرين أو ثلاثين يوماً لحديث‏:‏ » إنّا أمّة أمّيّة لا نكتب ولا نحسب، الشّهر هكذا وهكذا « يعني مرّةً تسعةً وعشرين ومرّةً ثلاثين‏.‏

وعن عبد اللّه بن مسعودٍ قال‏:‏ » لما صمنا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم تسعاً وعشرين أكثر ممّا صمنا ثلاثين «‏.‏

وإذا لم ير الهلال بعد غروب شمس التّاسع والعشرين من شعبان أو رمضان أو ذي القعدة أكمل الشّهر ثلاثين يوماً حسب الحديث الشّريف عن عبد اللّه بن عمر أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » الشّهر تسع وعشرون ليلةً، فلا تصوموا حتّى تروه فإن غمّ عليكم فأكملوا العدّة ثلاثين «‏.‏

وفرّق الحنابلة بين حالة الصّحو وحالة الغيم فالمذهب عندهم وجوب صيام يوم الثّلاثين من شعبان إن حال دون مطلعه غيم أو قتر ونحوهما بنيّة رمضان احتياطاً لا يقيناً وهذه المسألة تسمّى صيام يوم الشّكّ وتفصيلها في‏:‏ ‏(‏صوم‏)‏‏.‏

فإن تبيّن في نهاية رمضان أنّ شعبان ناقص وجب قضاء اليوم الّذي غمّ فيه الهلال‏.‏

توالي الغيم

9 - عند توالي الغيم في نهاية الشّهور القمريّة تكمل ثلاثين ثلاثين عملاً بالحديث السّابق‏:‏ » فإن غمّ عليكم فأكملوا العدّة ثلاثين «‏.‏

ويقع قضاء ما ثبت إفطاره، فإذا حصل الغيم في شهرٍ أو أكثر قبل رمضان فكملت، ثمّ رئي هلال شوّالٍ ليلة ثلاثين من رمضان فلا قضاء لجواز أن يكون رمضان ناقصاً، وإن رئي ليلة تسعٍ وعشرين من رمضان وجب قضاء يومٍ، وإن رئي ليلة ثمانٍ وعشرين وجب قضاء يومين، وإن رئي ليلة سبعٍ وعشرين تمّ قضاء ثلاثة أيّامٍ‏.‏

وإنّ ما أجرى اللّه به العادة أن لا تتوالى أربعة أشهرٍ ناقصة ولا كاملة، ومن النّادر توالي ثلاثة أشهرٍ ناقصةٍ أو كاملةٍ أيضاً‏.‏

قال الحطّاب‏:‏ فإن توالى الكمال في شهرين أو ثلاثةٍ عمل على أنّ شهر رمضان ناقص فأصبح النّاس صياماً، وإن توالت ناقصةً عمل على أنّ رمضان كامل فأصبح النّاس مفطرين وإن لم يتوال قبل هذا الشّهر الّذي غمّ الهلال في آخره شهران فأكثر كاملة ولا ناقصة احتمل أن يكون هذا الشّهر ناقصاً أو كاملاً احتمالاً واحداً يوجب أن يكمل ثلاثين كما ورد في الحديث‏.‏

ثمّ قال‏:‏ هذا في الصّوم، أمّا في الفطر إذا غمّ هلال شوّالٍ فلا يفطر بالتّقدير الّذي يغلب فيه على الظّنّ أنّ رمضان ناقص‏.‏

ولم نطّلع على نصٍّ للفقهاء في شأن البلاد الّتي يستقرّ الغيم أو الضّباب في سمائها‏.‏

صوم من اشتبهت عليه الأشهر

10 - من كان من النّاس في مكان لا تصله فيه أخبار رمضان، كالسّجين والأسير بدار الحرب فاشتبهت عليه الأشهر، ولم يعرف موعد رمضان، يتعيّن عليه الاجتهاد لمعرفته فإن اجتهد وتحرّى ووافق صيامه شهر رمضان أو ما بعده أجزأه ذلك، فإن كان الشّهر الّذي صامه ناقصاً، ورمضان كاملاً قضى النّقص، وإن صام شهراً قبل رمضان لم يكفه، لأنّ العبادة لا تصحّ قبل وقتها، فلو وافق بعضه فما وافقه أو بعده أجزاه دون ما قبله، وإن صام بلا اجتهادٍ لم يجزه إذا كان قادراً على الاجتهاد‏.‏

ثالثًا‏:‏ إثبات الأهلّة بالحساب الفلكيّ

11 - وقع الخوض في هذه المسألة منذ أواخر القرن الهجريّ الأوّل، فقد أشار إليها أحد التّابعين وبحثت بعد ذلك من لدن فقهائنا السّابقين بالقدر الّذي تستحقّه‏.‏

وكان من أسباب بحثها وجود لفظةٍ مشكلةٍ في حديث ثابتٍ عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم اختلف الشّرّاح في المراد منها، واستدلّ بها القائلون بالحساب على ما ذهبوا إليه‏.‏ ويتّضح ذلك من إيراد الحديث بلفظه، وإتباعه بتفسير الّذين استدلّوا به على جواز اعتماد الحساب في إثبات الهلال، ثمّ آراء الّذين فهموا منه خلاف فهمهم‏.‏

عن عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان فقال‏:‏ » لا تصوموا حتّى تروا الهلال، ولا تفطروا حتّى تروه فإن غمّ عليكم فاقدروا له «‏.‏ علّق الحديث بداية صيام رمضان والشّروع في الإفطار برؤية الهلال، وأمر عند تعذّرها في حالة الغيم بالتّقدير، فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ » فإن غمّ عليكم فاقدروا له «، وقد اختلف في المراد من هذه العبارة‏.‏

رأي القائلين بالحساب‏:‏

12 - تضمّن هذا الرّأي القول بتقدير الهلال بالحساب الفلكيّ ونسب إلى مطرّف بن عبد اللّه بن الشّخّير من التّابعين وأبي العبّاس بن سريجٍ من الشّافعيّة وابن قتيبة من المحدّثين‏.‏ وقال ابن عبد البرّ‏:‏ لا يصحّ عن مطرّفٍ، ونفى نسبة ما عرف عن ابن سريجٍ إلى الشّافعيّ لأنّ المعروف عنه ما عليه الجمهور‏.‏

ونقل ابن رشدٍ عن مطرّفٍ قوله‏:‏ يعتبر الهلال إذا غمّ بالنّجوم ومنازل القمر وطريق الحساب، قال‏:‏ وروي مثل ذلك عن الشّافعيّ في روايةٍ، والمعروف له المشهور عنه أنّه لا يصام إلاّ برؤيةٍ فاشيةٍ أو شهادةٍ عادلةٍ كالّذي عليه الجمهور‏.‏

وعن مطرّفٍ أيضًا أنّ العارف بالحساب يعمل به في نفسه‏.‏

أمّا ابن سريجٍ فاعتبر قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » فاقدروا له «‏:‏ خطاباً لمن خصّه اللّه تعالى بعلم الحساب، وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر‏:‏ » فأكملوا العدّة « خطاباً للعامّة‏.‏

وبيّن ابن الصّلاح ما قصده ابن سريجٍ من المعرفة بالحساب فقال‏:‏ معرفة منازل القمر هي معرفة سير الأهلّة، وأمّا معرفة الحساب فأمر دقيق يختصّ بمعرفته الآحاد‏.‏ فمعرفة منازل القمر تدرك بأمرٍ محسوسٍ يدركه من يراقب النّجوم، وهذا هو الّذي أراده ابن سريجٍ، وقال به في حقّ العارف بها فيما يخصّه‏.‏

وقد اختلف النّقل عن ابن سريجٍ في حكم صيام العارف بالحساب عند ثبوت الهلال عنده، ففي روايةٍ عنه أنّه لم يقل بوجوب ذلك عليه، وإنّما قال بجوازه، وفي روايةٍ أخرى عنه لزوم الصّيام في هذه الصّورة‏.‏

وعن بعض الحنفيّة قول‏:‏ لا بأس بالاعتماد على قول المنجّمين‏.‏

وقال القشيريّ‏:‏ إذا دلّ الحساب على أنّ الهلال قد طلع من الأفق على وجهٍ يرى لولا وجود المانع كالغيم مثلاً، فهذا يقتضي الوجوب لوجود السّبب الشّرعيّ، وليس حقيقة الرّؤية مشروطةً في اللّزوم، فإنّ الاتّفاق على أنّ المحبوس في المطمورة إذا علم بإتمام العدّة أو بالاجتهاد أنّ اليوم من رمضان وجب عليه الصّوم‏.‏

آراء القائلين بعدم إثبات الأهلّة بالحساب وأدلّتهم‏:‏

13 - المعتمد في المذهب الحنفيّ أنّ شرط وجوب الصّوم والإفطار رؤية الهلال، وأنّه لا عبرة بقول المؤقّتين ولو عدولاً، ومن رجع إلى قولهم فقد خالف الشّرع، وذهب قوم منهم إلى أنّه يجوز أن يجتهد في ذلك، ويعمل بقول أهل الحساب‏.‏

ومنع مالك من اعتماد الحساب في إثبات الهلال، فقال‏:‏ إنّ الإمام الّذي يعتمد على الحساب لا يقتدى به، ولا يتبع‏.‏

وبيّن أبو الوليد الباجيّ حكم صيام من اعتمد الحساب فقال‏:‏ فإن فعل ذلك أحد فالّذي عندي أنّه لا يعتدّ بما صام منه على الحساب ويرجع إلى الرّؤية وإكمال العدد، فإن اقتضى ذلك قضاء شيءٍ من صومه قضاه‏.‏

وذكر القرافيّ قولاً آخر للمالكيّة بجواز اعتماد الحساب في إثبات الأهليّة‏.‏

أمّا الشّافعيّة فقال النّوويّ‏:‏ قال أصحابنا وغيرهم‏:‏ لا يجب صوم رمضان إلاّ بدخوله، ويعلم دخوله برؤية الهلال، فإن غمّ وجب استكمال شعبان ثلاثين، ثمّ يصومون سواء كانت السّماء مصحيةً أو مغيّمةً غيماً قليلاً أو كثيراً‏.‏

وفي هذا حصر طرق إثبات هلال رمضان في الرّؤية وإكمال شعبان ثلاثين، وفي هذا الحصر نفي لاعتماد الحساب، وقد صرّح في موضعٍ آخر برفضه، لأنّه حدس وتخمين ورأى اعتباره في القبلة والوقت‏.‏

نقل القليوبيّ عن العبّاديّ قوله‏:‏ إذا دلّ الحساب القطعيّ على عدم رؤية الهلال لم يقبل قول العدول برؤيته، وتردّ شهادتهم‏.‏

ثمّ قال القليوبيّ‏:‏ وهو ظاهر جليّ، ولا يجوز الصّوم حينئذٍ ومخالفة ذلك معاندة ومكابرة‏.‏ ولا يعتمد الحنابلة الحساب الفلكيّ في إثبات هلال رمضان، ولو كثرت إصابته‏.‏

أدلّة القائلين بعدم إثبات الأهلّة بالحساب‏:‏

استدلّ المانعون بالحديث نفسه الّذي استدلّ المثبتون به ففسّروه بغير المراد منه‏.‏

أوّلاً‏:‏ تفسير الحديث المشتمل على التّقدير بما ينقض مفهوم التّقدير الّذي ذهب إليه القائلون بالحساب‏.‏

فسّر الأئمّة الأجلّة قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » فاقدروا له « بتفسيرين‏:‏

الأوّل‏:‏ حمل التّقدير على إتمامهم الشّهر ثلاثين‏.‏

الثّاني‏:‏ تفسير بمعنى تضييق عدد أيّام الشّهر‏.‏

التّفسير الأوّل‏:‏ جاء عن عبد اللّه بن عمر أنّه يصبح مفطراً إذا كانت السّماء صاحيةً وصائماً إذا كانت مغيّمةً لأنّه يتأوّل قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم على أنّ المراد منه إتمام الشّهر ثلاثين‏.‏

وإلى هذا المعنى ذهب أبو حنيفة ومالك والشّافعيّ وجمهور السّلف والخلف،فحملوا عبارة‏:‏ » فاقدروا له « على تمام العدد ثلاثين يوماً‏.‏

والبخاريّ أتبع حديث عبد اللّه بن عمر هنا بروايةٍ أخرى عنه جاء فيها أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » الشّهر تسع وعشرون ليلةً فلا تصوموا حتّى تروه، فإن غمّ عليكم فأكملوا العدّة ثلاثين«‏.‏ وأتبعه في نفس الباب بحديث أبي هريرة، قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم أو قال‏:‏ قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم‏:‏ »صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته فإن غبي عليكم فأكملوا عدّة شعبان ثلاثين «‏.‏

وقال ابن حجرٍ‏:‏ قصد البخاريّ بذلك بيان المراد من قوله » فاقدروا له «، وأيّد ابن رشدٍ تفسير البخاريّ وعلّله بأنّ التّقدير يكون بمعنى التّمام، ودعم رأيه بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً‏}‏ أي تماماً‏.‏

التّفسير الثّاني بمعنى تضييق عدد أيّام الشّهر‏:‏ فسّر القائلون به » اقدروا له « بمعنى ضيّقوا له العدد من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ‏}‏، والتّضييق له أن يجعل شعبان تسعةً وعشرين يوماً‏.‏

وممّن قال بهذا الرّأي أحمد بن حنبلٍ وغيره ممّن يجوّز صوم يوم الشّكّ إن كانت السّماء مغيّمةً‏.‏

وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ » إنّا أمّة أمّيّة لا نكتب ولا نحسب، الشّهر هكذا وهكذا « يعني مرّةً تسعةً وعشرين ومرّةً ثلاثين‏.‏

بيّن ابن حجرٍ أنّ المنفيّ عنهم الكتاب والحساب هم أغلب أهل الإسلام الّذين بحضرة النّبيّ صلى الله عليه وسلم عند تحديثه بهذا الحديث، أو أنّ المراد به النّبيّ نفسه عليه الصلاة والسلام‏.‏ ثمّ قال ابن حجرٍ‏:‏ المراد بالحساب هنا حساب النّجوم وتسييرها، ولو لم يكونوا يعرفون من ذلك إلاّ النّزر اليسير، فعلّق الحكم بالصّوم وغيره بالرّؤية لدفع الحرج عنهم في معاناة حساب التّسيير، واستمرّ الحكم في الصّوم ولو حدث بعدهم من يعرف ذلك، بل ظاهر السّياق يشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلاً‏.‏

ويوضّحه قوله في الحديث الماضي » فإن غمّ عليكم فأكملوا العدّة ثلاثين « ولم يقل فسلوا أهل الحساب، والحكمة فيه كون العدد عند الإغماء يستوي فيه المكلّفون فيرتفع الاختلاف والنّزاع عنهم‏.‏

اختلاف المطالع

14 - اختلاف مطالع الهلال أمر واقعٌ بين البلاد البعيدة كاختلاف مطالع الشّمس، لكن هل يعتبر ذلك في بدء صيام المسلمين وتوقيت عيدي الفطر والأضحى وسائر الشّهور فتختلف بينهم بدءاً ونهايةً أم لا يعتبر بذلك، ويتوحّد المسلمون في صومهم وفي عيديهم ‏؟‏

ذهب الجمهور إلى أنّه لا عبرة باختلاف المطالع، وهناك من قال باعتبارها، وخاصّةً بين الأقطار البعيدة، فقد قال الحنفيّة في هذه الحالة‏:‏ بأنّه لكلّ بلدٍ رؤيتهم، وأوجبوا على الأمصار القريبة اتّباع بعضها بعضاً، وألزموا أهل المصر القريب في حالة اختلافهم مع مصرٍ قريبٍ منهم بصيامهم تسعةً وعشرين، وصيام الآخرين ثلاثين اعتماداً على الرّؤية أو إتمام شعبان ثلاثين أن يقضوا اليوم الّذي أفطروه لأنّه من رمضان حسب ما ثبت عند المصر الآخر، والمعتمد الرّاجح عند الحنفيّة أنّه لا اعتبار باختلاف المطالع فإذا ثبت الهلال في مصرٍ لزم سائر النّاس فيلزم أهل المشرق برؤية أهل المغرب في ظاهر المذهب‏.‏

وقال المالكيّة بوجوب الصّوم على جميع أقطار المسلمين إذا رئي الهلال في أحدها‏.‏

وقيّد بعضهم هذا التّعميم فاستثنى البلاد البعيدة كثيراً كالأندلس وخراسان‏.‏

وبيّن القرافيّ اختلاف مطالع الهلال علميّاً، وذكر سبباً من أسبابه مكتفياً به عن البقيّة المذكورة في علم الهيئة‏:‏ وهو أنّ البلاد المشرقيّة إذا كان الهلال فيها في الشّعاع وبقيت الشّمس تتحرّك مع القمر إلى الجهة الغربيّة فما تصل الشّمس إلى أفق المغرب إلاّ وقد خرج الهلال عن الشّعاع فيراه أهل المغرب ولا يراه أهل المشرق‏.‏ واستنتج من هذا البيان ومن اتّفاق علماء المسلمين جميعهم على اختلاف أوقات الصّلاة ومراعاة ذلك في الميراث بحيث أفتوا بأنّه إذا مات أخوان عند الزّوال أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب حكم بأسبقيّة موت المشرقيّ، لأنّ زوال المشرق متقدّم على زوال المغرب فيرث المغربيّ المشرقيّ، فقرّر بعد إثباته اختلاف الهلال باختلاف الآفاق وجوب أن يكون لكلّ قومٍ رؤيتهم في الأهلّة، كما أنّ لكلّ قومٍ أوقات صلواتهم، ورأى أنّ وجوب الصّوم على جميع الأقاليم برؤية الهلال بقطرٍ منها بعيد عن القواعد، والأدلّة لم تقتض ذلك‏.‏

وعمل الشّافعيّة باختلاف المطالع فقالوا‏:‏ إنّ لكلّ بلدٍ رؤيتهم وإنّ رؤية الهلال ببلدٍ لا يثبت بها حكمه لما بعد عنهم‏.‏ كما صرّح بذلك النّوويّ‏.‏

واستدلّوا مع من وافقهم بأنّ ابن عبّاسٍ لم يعمل برؤية أهل الشّام لحديث كريبٍ أنّ أمّ الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشّام، قال‏:‏ فقدمت الشّام فقضيت حاجتها واستهلّ عليّ رمضان، وأنا بالشّام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثمّ قدمت المدينة في آخر الشّهر فسألني عبد اللّه بن عبّاسٍ ثمّ ذكر الهلال فقال‏:‏ متى رأيتم ‏؟‏ فقلت‏:‏ رأيناه ليلة الجمعة‏.‏ فقال‏:‏ أنت رأيته ‏؟‏ فقلت‏:‏ نعم‏.‏ ورآه النّاس وصاموا، وصام معاوية فقال‏:‏ لكنّا رأيناه ليلة السّبت فلا نزال نصوم حتّى نكمل ثلاثين أو نراه، فقلت‏:‏ أولا تكتفي برؤية معاوية وصيامه، فقال‏:‏ لا‏.‏ هكذا أمرنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقد علّل النّوويّ هذه الفتوى من ابن عبّاسٍ بأنّ الرّؤية لا يثبت حكمها في حقّ البعيد‏.‏ وقال الحنابلة بعدم اعتبار اختلاف المطالع، وألزموا جميع البلاد بالصّوم إذا رئي الهلال في بلدٍ‏.‏

واستدلّ القائلون بعدم اعتبار اختلاف المطالع بحديث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم »صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته «، فقد أوجب هذا الحديث الصّوم بمطلق الرّؤية لجميع المسلمين دون تقييدها بمكانٍ، واعتبروا ما ورد في حديث ابن عبّاسٍ من اجتهاده، وليس نقلاً عن الرّسول صلى الله عليه وسلم‏.‏

أثر الخطأ في رؤية الهلال

15 - قد ينتج عن تواصل الغيم أكثر من شهرٍ قبل رمضان أو شوّالٍ أو ذي الحجّة أو عن عدم التّحرّي في رؤية الهلال خطأ في بداية رمضان، ويترتّب عليه إفطار يومٍ منه، أو خطأ في بداية شوّالٍ، ويترتّب عليه إفطار يومٍ من رمضان أو صيام يوم العيد، أو خطأ في ذي الحجّة، ويترتّب عليه وقوف بعرفة في غير وقته، وهذا أخطرها‏.‏

وقد استند القائلون بصحّة الوقوف في غير يومه إلى الحديث الصّحيح‏:‏ » شهران لا ينقصان‏:‏ شهرا عيدٍ‏:‏ رمضان وذو الحجّة «‏.‏ وفهموا منه أنّ الخطأ في الوقفة لا ينقص أجرها، ومن باب أولى لا يفسدها‏.‏

قال الطّيبيّ‏:‏ ظاهر سياق الحديث بيان اختصاص الشّهرين بمزيّةٍ ليست في غيرهما من الشّهور، وليس المراد أنّ ثواب الطّاعة في غيرهما ينقص، وإنّما المراد رفع الحرج عمّا عسى أن يقع فيه خطأ في الحكم لاختصاصهما بالعيدين وجواز احتمال وقوع الخطأ فيهما‏.‏ ومن ثمّ قال‏:‏ » شهرا عيدٍ « بعد قوله‏:‏ » شهران لا ينقصان « ولم يقتصر على قوله‏:‏ »رمضان وذو الحجّة «‏.‏

قال ابن بطّالٍ فيما نقله عنه العينيّ‏:‏ قالت طائفة من وقف بعرفة بخطأٍ شاملٍ لجميع أهل الموقف في يومٍ قبل يوم عرفة أو بعده أنّه يجزئ عنه، وهو قول عطاء بن أبي رباحٍ والحسن البصريّ وأبي حنيفة والشّافعيّ، واحتجّ أصحابه على جواز ذلك بصيام من التبست عليه الشّهور، وأنّه جائز أن يقع صيامه قبل رمضان أو بعده‏.‏

وإلى نفس هذا الرّأي ذهب النّوويّ فقال‏:‏ إنّ كلّ ما ورد في رمضان وذي الحجّة من الفضائل والأحكام حاصل سواء كان رمضان ثلاثين أو تسعاً وعشرين، سواء صادف الوقوف اليوم التّاسع أو غيره بشرط انتفاء التّقصير في ابتغاء الهلال‏.‏

وقال ابن حجرٍ‏:‏ الحديث يطمئن من صام رمضان تسعاً وعشرين أو وقف بعرفاتٍ في غير يومها اجتهاداً‏.‏

ونظراً إلى أنّ حصول النّقص في رمضان واضح، وفي ذي الحجّة غير واضحٍ لوقوع المناسك في أوّله فقد بيّن ذلك العينيّ بقوله‏:‏ قد تكون أيّام الحجّ من الإغماء والنّقصان مثل ما يكون في آخر رمضان بأن يغمّى هلال ذي القعدة ويقع فيه الغلط بزيادة يومٍ أو نقصانه فيقع عرفة في اليوم الثّامن أو العاشر منه، فمعناه أنّ أجر الواقفين بعرفة في مثله لا ينقص عمّا لا غلط فيه‏.‏

وعن ابن القاسم أنّهم إن أخطأوا ووقفوا بعد يوم عرفة يوم النّحر يجزيهم، وإن قدّموا الوقوف يوم التّروية أعادوا الوقوف من الغد ولم يجزهم‏.‏

تبليغ الرّؤية

16 - إذا ثبت الهلال عند الجهة المختصّة الموثوق بها وجب إعلام النّاس للشّروع في الصّوم، أو الإفطار وصلاة عيد الفطر، أو صلاة عيد الأضحى وذبح الأضحيّة بالخبر كما قال القرافيّ‏:‏ ثلاثة أقسامٍ رواية محضة كالأحاديث النّبويّة وشهادة محضة كإخبار الشّهود عن الحقوق على المعيّنين عند الحاكم ومركّب من شهادةٍ وروايةٍ، وله صور أحدها الإخبار عن رؤية هلال رمضان من جهة أنّ الصّوم لا يختصّ بشخصٍ معيّنٍ بل عامّ على جميع المصر أو أهل الآفاق فهو من هذا الوجه رواية لعدم الاختصاص بمعيّنٍ ولعموم الحكم، ومن جهة أنّه حكم يختصّ بهذا العامّ دون ما قبله وما بعده‏.‏

وإذا كانت الرّؤية في حدّ ذاتها تشبه الشّهادة والرّواية، فإنّ الإعلام بها بعد ثبوتها لا خلاف في كونه رواية، لذلك فإنّه يعتمد في نقلها وسائل نقل الخبر، ويشترط في المخبر بها شروط الرّاوي المقبول الرّواية المتعارف عليها عند المحدّثين والفقهاء، وهي‏:‏ العدالة والضّبط‏.‏

وقت الإعلام

17 - إنّ وقت الإعلام بالنّسبة لرمضان هو ما قبل فجر اليوم الأوّل منه فإن حصل بعد ذلك وجب الإمساك وعقد نيّة الصّيام وقضاء ذلك اليوم حتّى بالنّسبة لمن بيّت الصّيام على غير جزمٍ بدخول رمضان‏.‏

على خلافٍ وتفصيلٍ ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏صوم‏)‏‏.‏

الأدعية المأثورة عند رؤية الهلال

18 - وردت عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أدعية عند رؤية الهلال منها ما جاء عن طلحة بن عبيد اللّه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال‏:‏» اللّهمّ أهلّه علينا باليمن والإيمان والسّلامة والإسلام، ربّي وربّك اللّه «‏.‏

ومنها رواية ثانية لهذا المتن عن عبد اللّه بن عمر كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال، قال‏:‏ » اللّهمّ أهلّه علينا بالأمن والإيمان، والسّلامة والإسلام والتّوفيق لما تحبّ وترضى، ربّنا وربّك اللّه «‏.‏

ومنها ما جاء عن عبادة بن الصّامت قال‏:‏ كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال‏:‏ » اللّه أكبر، الحمد للّه، لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه، اللّهمّ إنّي أسألك خير هذا الشّهر، وأعوذ بك من شرّ القدر، ومن سوء الحشر «‏.‏

ومنها عن قتادة أنّه بلغه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال‏:‏ » هلال خيرٍ ورشدٍ، هلال خيرٍ ورشدٍ،هلال خيرٍ ورشدٍ،آمنت بالّذي خلقك، ثلاث مرّاتٍ ثمّ يقول‏:‏ الحمد للّه الّذي ذهب بشهر كذا وجاء بشهر كذا «‏.‏

هذه الأحاديث نقلها أيضاً النّوويّ في الأذكار، والحطّاب في مواهب الجليل، ونقل إثرها قولاً للدّميريّ نصّ فيه على استحباب قراءة سورة الملك عند رؤية الهلال للأثرالوارد فيها، ولأنّها المنجّية الواقية‏.‏

رائحة

التّعريف

1 - الرّائحة والرّيح في اللّغة‏:‏ النّسيم طيّباً كان أو نتناً‏.‏ يقال‏:‏ وجدت رائحة الشّيء وريحه‏.‏ والرّائحة عرض يدرك بحاسّة الشّمّ‏.‏

وقيل‏:‏ لا يطلق اسم الرّيح إلاّ على الطّيّب، جاء في الأثر‏:‏» أنّه صلى الله عليه وسلم أمر بالإثمد المروّح أي المطيّب عند النّوم «‏.‏

الحكم الإجماليّ

ترد كلمة ‏"‏ رائحة ‏"‏ في كتب الفقه في أبوابٍ مختلفةٍ، وباختلاف الأبواب تختلف أحكامها‏.‏

أ - الرّائحة في باب الطّهارة‏:‏

2 - الأصل في رفع الحدث وإزالة الخبث أن يكون بالماء قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَنزَلنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُوراً‏}‏‏.‏

واشترط جمهور الفقهاء لطهوريّة الماء بقاء أوصافه الأصليّة وهي‏:‏ اللّون والطّعم والرّائحة‏.‏ فإن تغيّر أحد أوصافه، كرائحته، بشيءٍ خالطه بحيث لا يطلق عليه اسم الماء عرفاً، بل يضاف إليه قيد لازم، كماء الورد ونحوه، فإنّه يسلب عنه الطّهوريّة، فيصبح الماء طاهراً غير مطهّرٍ إن كان المخالط المغيّر طاهراً، فلا يرفع حدثاً ولا يزيل خبثاً وإن كان طاهراً بذاته، لأنّه ليس ماءً مطلقاً‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ لا يسلب الطّهوريّة عن الماء تغيّر أوصافه إن لم يزل عنه طبع الماء‏.‏

وطبع الماء‏:‏ كونه سيّالاً مرطّباً مسكّناً للعطش‏.‏

أمّا إذا حصل التّغيّر بمجاورٍ للماء لم يخالطه فإنّه لايسلب الطّهوريّة عنه،لأنّه مجرّد تروّحٍ‏.‏ وفي المسألة تفصيل ينظر في‏:‏ ‏(‏مياه‏)‏‏.‏

ب - رائحة الطّيب في حقّ المحرم‏:‏

3 - لا خلاف بين الفقهاء في أنّه يحظر على المحرم استعمال ما له رائحة طيّبة ويقصد به رائحته كالمسك والعود ونحوهما، أمّا ما لا تقصد رائحته، كالتّفّاح والأترجّ فلا يحرم على المحرم استعماله، وإن كانت رائحته طيّبةً‏.‏

وانظر ‏(‏إحرام‏)‏‏.‏

ج - الرّائحة الطّيّبة والرّائحة الكريهة في المساجد‏:‏

4 - يستحبّ تطييب المساجد، ويصان المسجد عن الرّائحة الكريهة من ثومٍ أو بصلٍ ونحوهما، وإن لم يكن فيه أحد، كما يكره لمن أكل شيئاً من ذلك دخول المساجد ويرخّص له في ترك الجماعة في المسجد، ومثله من له صنان أو بخر‏.‏

وذهب الحنابلة إلى استحباب إخراج من به ذلك إزالةً للأذى، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » من أخرج أذىً من المسجد بنى اللّه له بيتاً في الجنّة «، وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ » من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا - أو قال‏:‏ فليعتزل مسجدنا «‏.‏

وقال‏:‏ » من أكل من هذه الشّجرة الخبيثة يعني الثّوم فلا يقربنا في المسجد « وفي روايةٍ‏:‏ » فلا يقرب مصلاّنا «‏.‏

ويكره عند الحنابلة إخراج الرّيح في المسجد بجامع الإيذاء بالرّائحة، وإن لم يكن فيه أحد، لخبر‏:‏ » إنّ الملائكة تتأذّى ممّا يتأذّى منه بنو آدم «‏.‏

وصرّح المالكيّة بجواز ذلك إذا احتاج إليه، لأنّ المسجد ينزّه عن النّجاسة العينيّة‏.‏

وانظر‏:‏ ‏(‏مساجد‏)‏‏.‏

د - التّلف بسبب الرّائحة‏:‏

5 - إذا اتّخذ من داره - بين الدّور المسكونة - معملاً له رائحةٌ مؤذيةٌ، فشمّه أطفال أو غيرهم فماتوا بذلك ضمن صاحب الدّار، لمخالفته العادة‏.‏

وإن قلى أو شوى في داره ما يسبّب إجهاض الحامل إن لم تأكل منه وجب عليه أن يقدّم إليها ما يدفع عنها الإجهاض بعوضٍ إن كانت قادرةً على العوض، وإلاّ فبلا عوضٍ، وإن لم تطلب منه، فإن قصّر ضمن دية الجنين‏.‏

والتّفصيل في باب الدّيات، ومصطلح‏:‏ ‏(‏إجهاض، ف 9‏)‏‏.‏

هـ – ثبوت حدّ الشّرب بوجود الرّائحة‏:‏

6 – لا يثبت حدّ الشّرب بوجود رائحة الخمر في فم الشّارب في قول أكثر أهل العلم،منهم‏:‏ الثّوريّ، وأبو حنيفة، والشّافعيّ، وأحمد في إحدى روايتين عنه، وهي المذهب‏.‏

وقالوا‏:‏ يحتمل أنّه تمضمض بالخمر أو حسبها ماءً فلمّا صارت في فمه مجّها، ويحتمل أن يكون مكرهاً، أو شرب شراب التّفّاح فإنّه يكون منه كرائحة الخمر، وبوجود الاحتمال لم يجب الحدّ، لأنّه يدرأ بالشّبهات‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يثبت حدّ الشّرب بوجود الرّائحة، وهي رواية أبي طالبٍ عن أحمد،وقالوا‏:‏ إنّ ابن مسعودٍ جلد رجلاً وجد منه رائحة الخمر، ولأنّ الرّائحة تدلّ على شربه للخمر، فأجري مجرى الإقرار‏.‏

والتّفصيل في‏:‏ ‏(‏سكر‏)‏‏.‏

و - تغيّر رائحة لحم الجلاّلة أو لبنها‏:‏

7 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يكره أكل لحم الجلاّلة وشرب لبنها إذا تغيّرت رائحتهما بالنّجاسة‏.‏

وقال الشّافعيّة بالتّحريم‏.‏

وانظر‏:‏ ‏(‏أطعمة، جلاّلة‏)‏‏.‏

ز - منع الزّوجة من أكل ما يتأذّى الزّوج من رائحته‏:‏

8 - للزّوج منع زوجته من تناول ما يتأذّى من رائحته كالثّوم، والبصل ونحوهما‏.‏ كما له إجبارها على إزالة الرّوائح الكريهة من بدنها، وثوبها، لأنّ ذلك يمنع كمال الاستمتاع‏.‏ والتّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏نكاح‏)‏‏.‏

رابغ

التّعريف

1 - رابغ‏:‏ وادٍ بين الحرمين قرب البحر، وهو موضع معروف قريب من الجحفة‏.‏

وأصل هذا المصطلح اللّغويّ‏:‏ ربغ القوم في النّعيم‏:‏ أقاموا‏.‏‏.‏‏.‏ والرّبغ‏:‏ التّراب، والرّابغ‏:‏ من يقيم على أمرٍ ممكّنٍ له‏.‏

والجحفة ميقات الإحرام لأهل الشّام وتركيّة ومصر والمغرب، وتقع قرب السّاحل وسط الطّريق بين مكّة والمدينة‏.‏ وقد اندثرت الجحفة منذ زمنٍ بعيدٍ وأصبحت لا تكاد تعرف، وأصبح حجّاج هذه البلاد يحرمون من رابغٍ احتياطاً، وتقع قبل الجحفة بقليلٍ للقادم من المدينة وتبعد عن مكّة ‏(‏220‏)‏ كيلو متراً‏.‏

انظر‏:‏ ‏(‏إحرام‏:‏ ف 40‏)‏‏.‏

راتب

التّعريف

1 - الرّاتب‏:‏ لغةً من رتب الشّيء رتوباً إذا ثبت واستقرّ، فالرّاتب هو الثّابت، وعيش راتب‏:‏ أي ثابت دائم‏.‏

قال ابن جنّيٍّ‏:‏ يقال‏:‏ ما زلت على هذا راتباً أي مقيماً‏.‏ ولا يخرج معناه الاصطلاحيّ عن معناه اللّغويّ‏.‏

مواطن البحث

2 - ورد مصطلح الرّاتب في عدّة أبوابٍ من كتب الفقه منها‏:‏

أ - السّنن الرّواتب من الصّلوات‏:‏

3 - وهي السّنن التّابعة للفرائض، ووقتها وقت المكتوبات الّتي تتبعها‏.‏

وقد اختلف الفقهاء في مقاديرها‏.‏

فذهب جمهور العلماء إلى أنّ الرّواتب المؤكّدة عشر ركعاتٍ، ركعتان قبل الصّبح، وركعتان قبل الظّهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، لما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه قال‏:‏ » حفظت من النّبيّ صلى الله عليه وسلم عشر ركعاتٍ‏:‏ ركعتين قبل الظّهر،وركعتين بعدها،وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته،وركعتين قبل الصّبح،وكانت ساعة لا يدخل على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيها، حدّثتني حفصة رضي الله عنها أنّه كان إذا أذّن المؤذّن وطلع الفجر صلّى ركعتين «‏.‏ وهناك أقوال مرجوحة عند المذاهب تذكر أربعاً بعد الظّهر، وأربعاً قبل العصر، واثنتين قبل المغرب، وستّاً بعد المغرب، وأن لا راتبة بعد العشاء بلا حدٍّ‏.‏

والتّفاصيل في‏:‏ ‏(‏السّنن الرّواتب‏)‏‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّ مقدارها اثنتا عشرة ركعةً‏:‏ ركعتان قبل صلاة الفجر، وأربع ركعاتٍ قبل صلاة الظّهر - لا يسلّم إلاّ في آخرهنّ - وركعتان بعد صلاة الظّهر، وركعتان بعد صلاة المغرب، وركعتان بعد صلاة العشاء‏.‏

لما روي عن عائشة رضي الله عنها عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ » من ثابر على اثنتي عشرة ركعةً بنى اللّه عزّ وجلّ له بيتاً في الجنّة‏:‏ أربعاً قبل الظّهر، وركعتين بعد الظّهر، وركعتين بعد المغرب،وركعتين بعد العشاء،وركعتين قبل الفجر «‏.‏ ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم واظب عليها ولم يترك شيئاً منها إلاّ لعذرٍ‏.‏

4 - وآكد السّنن الرّاتبة عند الحنفيّة ركعتا الفجر لورود الأحاديث بالتّرغيب فيهما ما لم يرد في غيرهما من النّوافل‏.‏

عن عائشة رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ » ركعتا الفجر خير من الدّنيا وما فيها «

وروي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أيضاً أنّه قال‏:‏ » لا تدعوا الرّكعتين اللّتين قبل صلاة الفجر، فإنّ فيهما الرّغائب « وفي روايةٍ‏:‏ » لا تدعوا ركعتي الفجر ولو طردتكم الخيل «‏.‏

ب - المؤذّن الرّاتب‏:‏

5 - إذا كان في المسجد مؤذّن راتبٌ فلا يؤذّن قبله إلاّ أن يتخلّف ويخاف فوات وقت التّأذين فيؤذّن غيره، لما روي عن زياد بن الحارث الصّدائيّ » أنّه أذّن للنّبيّ صلى الله عليه وسلم حين غاب بلال - رضي الله عنه « » وأذّن رجل حين غاب أبو محذورة «‏.‏

ولأنّ مؤذّني الرّسول صلى الله عليه وسلم لم يكن غيرهم يسبقهم بالأذان‏.‏

وإذا نازع المؤذّن الرّاتب غيره في الأذان يقدّم الرّاتب‏.‏

قال ابن عابدين‏:‏إنّ المؤذّن الرّاتب يعيد الأذان إذا أذّن في المسجد من يكره أذانه كالفاسق، والجنب، والمرأة‏.‏

وقال في المجموع شرط المؤذّن الرّاتب أن يكون عالماً بالمواقيت إمّا بنفسه أو بواسطة ثقةٍ آخر‏.‏

والتّفاصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏أذان‏)‏‏.‏

ج - الإمام الرّاتب‏:‏

6 - الإمام الرّاتب - وهو الّذي رتّبه السّلطان، أو نائبه، أو الواقف، أو جماعة من المسلمين - يقدّم في إمامة الصّلاة على غيره من الحاضرين وإن اختصّ غيره بفضيلةٍ كأن يكون أعلم منه أو أقرأ منه، روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه أتى أرضاً له وعندها مسجد يصلّي فيه مولى لابن عمر فصلّى معهم، فسألوه أن يصلّي بهم فأبى وقال‏:‏ صاحب المسجد أحقّ‏.‏

أمّا إن كان معه الإمام الأعظم أو نائبه أو القاضي أو أمثالهم من ذوي السّلطان والولاية، فيقدّمون على الإمام الرّاتب لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » لا يؤمّنّ الرّجلُ الرّجلَ في سلطانه ولا يقعد على تكرمته إلاّ بإذنه «‏.‏

» ولأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ أمّ عتبان بن مالكٍ وأنساً في بيوتهما «‏.‏

ولأنّ تقدّم غير صاحب السّلطان بحضرته بدون إذنه لا يليق ببذل الطّاعة‏.‏

وهذا محلّ اتّفاقٍ بين الفقهاء، إلاّ أنّ الشّافعيّة يرون أنّ محلّ تقديم الوالي على الإمام الرّاتب إذا لم يكن الإمام مرتّباً من السّلطان أو نائبه، أمّا إذا كان الإمام ممّن رتّبه السّلطان أو نائبه فإنّه مقدّم على والي البلد وقاضيه‏.‏

7- واختلف الفقهاء في حكم إعادة الجماعة في المسجد، فذهب الجمهور - وهم الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة - إلى كراهة إعادة الجماعة في المسجد الّذي له إمام راتب، ولا يقع في ممرّ النّاس، ما لم تكن الإعادة بإذن الإمام الرّاتب، فمن فاتته الجماعة مع الإمام الرّاتب صلّى منفرداً لئلاّ يفضي ذلك إلى اختلاف القلوب والعداوة والتّهاون في الصّلاة مع الإمام الرّاتب، وإلى هذا ذهب عثمان البتّيّ، والأوزاعيّ، واللّيث، والنّوويّ، وأبو قلابة، وأيّوب، وابن عونٍ‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّه لا يكره إعادة الجماعة في المسجد الّذي له إمام راتب وإن لم يكن واقعاً في ممرّ النّاس لعموم قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ » صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذّ بخمسٍ وعشرين درجةً « وفي روايةٍ‏:‏ » بسبعٍ وعشرين درجةً «‏.‏

ولما روى أبو سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه » أنّ رجلاً دخل المسجد وقد صلّى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بأصحابه فقال‏:‏ من يتصدّق على هذا فيصلّي معه ‏؟‏ فقام رجل من القوم فصلّى معه «‏.‏ وفي روايةٍ فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ » ألا رجل يتصدّق على هذا فيصلّي معه «‏.‏

وروى أبو أمامة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم مثله، وزاد‏:‏ قال‏:‏ » فلمّا صلّيا قال‏:‏ وهذان جماعة «‏.‏

ولأنّه قادر على الجماعة فاستحبّ له فعلها، وإلى هذا ذهب عطاء والحسن والنّخعيّ، وقتادة وإسحاق وابن المنذر‏.‏

أمّا إذا كان المسجد يقع في سوقٍ، أو في ممرّ النّاس، أو ليس له إمام راتب، أو له إمامٌ راتبٌ ولكنّه أذّن للجماعة الثّانية،فلا كراهة في الجماعة الثّانية والثّالثة وما زاد،بالإجماع‏.‏ وفي المسألة مزيد تفصيلٍ ينظر في‏:‏ ‏(‏صلاة الجماعة‏)‏‏.‏

8- أمّا مسألة الاستحقاق الرّاتب في الوقف وغيره من الوظائف فتفاصيلها في مصطلح‏:‏ ‏(‏رزق، وظيفة، وقف، إجارة‏)‏‏.‏

راكب

انظر‏:‏ ركوب‏.‏

راهب

التّعريف

1 - الرّاهب في اللّغة‏:‏ اسم الفاعل من رهب يرهب رهباً ورهَباً ورهبةً إذا خاف‏.‏

والرّاهب‏:‏ المنقطع للعبادة من النّصارى‏.‏ ويجمع على رهبانٍ، كراكبٍ وركبانٍ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - القسّيس‏:‏

2 - القسّيس بالكسر‏:‏ عالم النّصارى، وجمعه قسّيسون، وقساوسة‏.‏

قال القرطبيّ‏:‏ والقسّ بالفتح أيضاً رئيس من رؤساء النّصارى في الدّين والعلم‏.‏

فالرّاهب‏:‏ عابد النّصارى، والقسّيس‏:‏ عالمهم‏.‏

ب - الأحبار‏:‏

3 - الأحبار جمع الحبر بالكسر، وهو العالم‏.‏ والحبر بالفتح لغة فيه، وهو من التّحبير، وهو التّحسين، سمّي العالم حبراً لأنّه يحبّر العلم، أي‏:‏ يبيّنه ويزيّنه‏.‏

وقال الجوهريّ‏:‏ الحِبر والحَبر واحد أحبار اليهود‏.‏

ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ‏}‏‏.‏

الأحكام الّتي تتعلّق بالرّاهب

أ - قتل الرّاهب في الجهاد‏:‏

4 - إذا اشترك الرّهبان في قتال المسلمين فلا خلاف بين الفقهاء في جواز قتلهم حين الظّفر بهم كسائر المقاتلين، وكذلك إذا خالطوا النّاس، أو كانوا يمدّون المقاتلين برأيهم ويحرّضونهم على القتال‏.‏

أمّا إذا لم يشتركوا في القتال ولم يخالطوا النّاس بل كانوا منعزلين في صوامعهم بلا رأيٍ، فذهب الجمهور ‏"‏ الحنفيّة، والمالكيّة، والحنابلة وهو رواية عند الشّافعيّة ‏"‏ إلى أنّهم لا يقتلون، لاعتزالهم أهل دينهم عن محاربة المسلمين‏.‏

ولما روي في حديث أبي بكرٍ الصّدّيق رضي الله عنه أنّه قال‏:‏ وستمرّون على أقوامٍ في الصّوامع قد حبسوا أنفسهم فيها فدعوهم حتّى يميتهم اللّه على ضلالهم‏.‏

ولأنّهم لا يقاتلون تديّناً فأشبهوا من لا يقدر على القتال‏.‏

والأظهر عند الشّافعيّة جواز قتلهم، لعموم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ‏}‏، ولأنّهم أحرار مكلّفون فجاز قتلهم كغيرهم‏.‏

ر‏:‏ ‏(‏جهاد‏)‏‏.‏

ب - وضع الجزية على الرّهبان‏:‏

5 - وضع الجزية على الرّهبان محلّ خلافٍ وتفصيلٍ يرجع إليه في‏:‏ ‏(‏جزية‏)‏‏.‏